فصل: ومن باب مجانبة أهل الأهواء وبغضهم:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: معالم السنن



.كتاب الصيد:

.ومن باب اتخاذ الكلب الصيد:

قال أبو داود: حدثنا الحسن بن علي حدثنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن الزهري، عَن أبي سلمة، عَن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من اتخذ كلبًا إلاّ كلبَ ماشية أو صيد أو زرع انتقص من أجره كل يوم قيراط».
قال الشيخ: كان ابن عمر لا يذكر في هذا الحديث كلب الزرع وقيل له إن أبا هريرة ذكر كلب الزرع فقال إن لأبي هريرة زرعًا فتأوله بعض من لم يوفق للصواب على غير وجهه، وذهب إلى أنه قصد بهذا القول إنكاره والتهمة له من أجل حاجته إلى الكلب لحراسة زرعه وليس الأمر كما قال، وإنما أراد ابن عمر تصديق أبي هريرة وتوكيد قوله وجعل حاجته إلى ذلك شاهدًا له على علمه ومعرفته به لأن من صدقت حاجته إلى شيء كثرت مسألته عنه ودام طلبه له حتى يدركه ويحكمه، وقد رواه عبد الله بن مغفل المزني وسفيان بن أبي وهب عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكرا فيه الزرع كما ذكره أبو هريرة.
قال أبو داود: حدثنا مسدد، قال: حَدَّثنا يزيد، قال: حَدَّثنا يونس عن الحسن عن عبد الله بن مغفَّل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لولا أن الكلاب أمة من الأمم لأمرت بقتلها فاقتلوا منها الأسود البهيم».
قال الشيخ: معناه أنه كره إفناء أمة من الأمم وإعدام جيل من الخلق حتى يأتي عليه كله فلا يبقي منه باقية لأنه ما من خلق لله تعالى إلاّ وفيه نوع من الحكمة وضرب من المصلحة. يقول إذا كان الأمر على هذا ولا سبيل إلى قتلهن كلهن فاقتلوا شرارهن وهي السود البهم وأبقوا ما سواها لتنتفعوا بهن في الحراسة. ويقال إن السود منها شرارها وعُقُرها.
وقال أحمد وإسحاق لا يحل صيد الكلب الأسود.

.ومن باب في الصيد:

قال أبو داود: حدثنا محمد بن عيسى، قال: حَدَّثنا جرير عن منصور عن إبراهيم عن همام عن عدي بن حاتم قال: «سألت النبي صلى الله عليه وسلم قلت إني أرسل الكلاب المعلمة فتمسك عليَّ أفآكل، قال إذا أرسلت الكلاب المعلمة وذكرت اسم الله فكل مما أمسكن عليك، قلت وإن قتلن، قال: وإن قتلن ما لم يشركها كلب ليس منها قلت ارمي بالمعراض فأصيب أفآكل، قال: إذا رميت بالمعراض وذكرت اسم الله فأصاب فخزَق فكل وإن أصاب بعرضه فلا تأكل».
قال الشيخ: ظاهره يدل على أنه إذا أرسل الكلب ولم يسم لم يؤكل، وهو قول أهل الرأي؛ إلاّ أنهم قالوا إن ترك التسمية ناسيًا حل. وذهب من لا يرى التسمية شرطًا في الذكاة إلى أن المراد بقوله وذكرت اسم الله ذكر القلب، وهو أن يكون إرساله الكلب قصد الاصطياد به لا يكون في ذلك لاهيًا أو لاعبًا لا قصد له في ذلك.
وقوله: «أرمي بالمعراض» فإن المعراض نصل عريض وفيه إزانة ولعله يقول إن أصابه بحده حتى نفذ في الصيد وقطع سائر جلده فكله، وهو معنى قوله: «فخزق». وإن كان إنما وقذه بثقله ولم يخزق فهو ميتة.
وقوله: «ما لم يشركها كلب ليس منها» أي لعل إتلاف الروح لم يكن من قبل كلبك المعلم إنما كان من قبل الكلب غير المعلم.
قال أبو داود: حدثنا عثمان بن أبي شيبة، قال: حَدَّثنا معبد الله بن نمير، قال: حَدَّثنا مجالد عن الشعبي عن عدي بن حاتم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما علمت من كلب أو باز ثم أرسلته وذكرت اسم الله فكل مما أمسك عليك، قلت وإن قتل، قال إذا قتله ولم يأكل منه شيئًا فإنما أمسكه عليك».
قال الشيخ: فيه بيان أن البازي والكلب سواء حكمهما في تحريم اللحم إذا أكلا من الصيد، وإلى هذا ذهب الشافعي. وفرق أصحاب الرأي بين الكلب والبازي، فقالوا يحرم في الكلب دون البازي. وإليه ذهب المزني قال وذلك لأن البازي يعلم بالطُّعم والكلب يعلم بترك الطُّعم.
وقد علق الشافعي أيضًا قوله في تحريم الصيد الذي قد أكل منه الكلب، فقال مرة أنه لا يحرم وهو قول مالك وأحسبه ذهب إلى حديث أبي ثعلبة.
قال أبو داود: حدثنا محمد بن عيسى حدثنا هشيم أخبرنا داود بن عمرو عن بسر بن عبيد الله، عَن أبي إدريس الخَولاني، عَن أبي ثعلبة الخشني قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في صيد الكلب: إذا أرسلت كلبك وذكرت اسم الله تعالى فكل وإن أكل منه وكل ما ردّت عليك يدك».
قال الشيخ: ويمكن أن يوفق بين الحديثين من الروايتين بأن يجعل حديث أبي ثعلبة أصلًا في الإباحة وأن يكون النهي في حديث عدي على معنى التنزيه دون التحريم.
ويحتمل أن يكون الأصل في ذلك حديث عدي بن حاتم ويكون النهي على التحريم البات، ويكون المراد بقوله وإن أكل فيما مضى من الزمان وتقدم منه لا في هذه الحال. وذلك لأن من الفقهاء من ذهب إلى أنه إذا أكل الكلب المعلم من الصيد مدة بعد أن كان لا يأكل فإنه يحرم كل صيد كان اصطاده قبل فكأنه قال كل منه وإن كان قد أكل فيما تقدم إذا لم يكن قد أكل في هذه الحالة.
قال أبو داود: حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن عاصم الأحول عن الشعبي عن عدي بن حاتم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا رميت سهمك وذكرت اسم الله فوجدته من الغد ولم تجده في ماء ولا فيه أثر غير سهمك فكل، وإذا اختلط بكلابك كلب من غيرها فلا تأكل لا تدري لعله قتله الذي ليس منها».
قال الشيخ: إنما نهاه عن أكله إذا وجده في الماء لإمكان أن يكون الماء غرقه فهلك من الماء لا من قتل الكلب. وكذلك إذا وجد فيه أثر لغير سهمه. والأصل أن الرخص تراعى فيها شرائطها التي لها وقعت الإباحة فمهما أخل بشيء منها عاد الأمر إلى التحريم الأصلي وهذا باب كبير من العلم.
قال أبو داود: حدثنا الحسين بن معاذ بن خليف حدثنا عبد الأعلى حدثنا داود عن عامر عن عدي بن حاتم أنه قال: «يا رسول الله أحدنا يرمي فنقتفر أثره اليومين والثلاثة ثم يجده ميتًا وفيه سهمه أيأكل قال نعم إن شاء أو قال يأكل إن شاء».
قال الشيخ: قوله نقتفر معناه نتبع يقال اقتفرت أثر الرجل إذا تتبعته وقفرته وفيه دليل على أنه إذا علق به سهمه فقد ملكه وصار سهمه كيده فلو أنه رمى صيدًا حتى أنشب سهمه فيه ثم غاب عنه فوجده رجل كان سبيله سبيل اللقطة وعليه تعريفه ورد قيمته إن كانت عينه باقية.
وفيه أنه قد شرط عليه أن يرمي فيه سهمه وهو أن يثبته بعينه، وقد علم أنه كان قد أصابه قبل أن يغيب عنه فإذا كان كذلك فقد علم أن ذكاته إنما وقعت برميته، فأما إذا رماه فلم يعلم أنه أصابه أم لا فتتبع أثره فوجده ميتًا وفيه سهمه فلا يأكل لأنه يمكن أن يكون غيره قد رماه بسهم فأثبته.
وقد يجوز أن يكون ذلك الرامي مجوسيًا لا تحل ذكاته أو محرمًا أو بعض من لا يستباح الصيد بذكاته.
وفي قوله فنقتفر أثره دليل على أنه إن أغفل تتبعه وأتى عليه شيء من الوقت ثم وجده ميتًا فإنه لا يأكله لأنه إذا تتبعه فلم يلحقه إلاّ بعد اليوم واليومين فهو مقدور وكانت الذكاة واقعة بإصابة السهم في وقت كونه ممتنعًا غير مقدور عليه. فأما إذا لم يتبعه وتركه يتحامل بالجراحة حتى هلك، فهذا غير مذكى لأنه لو اتبعه لأدركه قبل الموت فذكاه ذكاة المقدور عليه في الحلق واللبة، فإذا لم يفعل ذلك مع القدرة عليه صار كالبهيمة المقدور على ذكاتها بجرح في بعض أعضائها وتترك حتى تهلك بألم الجراحة.
وقال مالك بن أنس إن أدركه من يومه أكله وإلا فلا.
قال أبو داود: حدثنا محمد بن المنهال الضرير قال: حدثنا يزيد بن زريع حدثنا حبيب المعلم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن أعرابيًا يقال له أبو ثعلبة قال يا رسول الله إن لي كلبا مكلَّبة فأفتني في صيدها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن كان لك كلاب مكلبة فكل مما أمسكن عليك، قال ذكي وغير ذكي قال نعم قال وإن أكل منه قال وإن أكل منه، قال يا رسول الله أفتني في قوسي، قال كل ما ردت عليك قوسك، قال ذكي وغير ذكي، قال وإن تغيب عني، قال وإن تغيب عنك ما لم يُصَّلَّ أو تجد فيه أثرًا غير سهمك. قال افتني في آنية المجوس إذا اضطررنا إليها قال اغسلها وكل فيها».
قال الشيخ: «المكلبة» المسلطة على الصيد المضراة بالاصطياد وقوله: «ذكي وغير ذكي» يحتمل وجهين: أحدهما أن يكون أراد بالذكي ما أمسك عليه فأدركه قبل زهوق نفسه فذكاه في الحلق واللبة، وغير الذكي ما زهقت نفسه قبل أن يدركه.
والآخر أن يكون أراد بالذكي ما جرحه الكلب بسنه أو مخالبه فسال دمه وغير الذكي ما لم يجرحه.
وقد اختلف العلماء فيما قتله الكلب ولم يدمه فذهب بعضهم إلى تحريمه وذلك أنه قد يمكن أن يكون إنما قتله الكلب بالضغط والاعتماد فيكون في معنى الموقوذة، وإلى هذا ذهب الشافعي في أحد قوليه.
وقوله: «ما لم يصل» أي ما لم ينتن ويتغير ريحه يقال صلَّ اللحم وأصل لغتان.
قلت: وهذا على معنى الاستحباب دون التحريم لأن تغيير ريحه لا يحرم أكله.
وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم أكل إهالة سنخة وهي المتغيرة الريح، وقد يحتمل أن يكون معنى قوله صل بأن يكون قد نهشه هامة فصل اللحم أي تغير لما سرى فيه من سمها فأسرع إليه الفساد.
وفيه النهي من طريق الأدب عن أكل ما تغير من اللحم بمرور المدة الطويلة عليه.

.ومن باب الصيد يقطع منه قطعة:

قال أبو داود: حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا هاشم بن القاسم حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار، عَن أبي واقد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما قطع من البهيمة وهي حية فهي ميتة».
قال الشيخ: هذا في لحم البهيمة وأعضاءها المتصلة ببدنه دون الصوف المستخلف والشعر ونحوه. وكذلك هذا في الكلب يرسله فينتف من الصيد نتفة قبل أن يزهق نفسه، أو تصيبه الرمية فيكسر عنه عضوًا وهو حي فإن ذلك كله محرم لأنه بان من البهيمة وهي حية فصار ميتة، فأما إذا فصده نصفين فإنه بمنزلة الذكاة له ويؤكلان جميعًا.
وقال أبو حنيفة إن كان النصف الذي فيه الرأس أصغر كان ميتة، وإن كان الذي يلي الرأس حلت القطعتان.
وعند الشافعي لا فرق وكلتاهما حلال لأنه إذا خرج الروح من القطعتين معًا في حالة واحدة فليس هناك إبانة ميتة عن حي بل هو ذكاة الكل لأن الكل صار ميتًا بهذا العقر فليس شيئًا منه تابعًا لشيء بل كله سواء في ذلك.

.كتاب شرح السنة:

قال أبو داود: حدثنا أحمد بن حنبل ومحمد بن يحيى بن فارس قالا: حَدَّثنا أبو المغيرة حدثنا صفوان (ح) قال: وحدثنا عمرو بن عثمان حدثنا بقية حدثني صفوان حدثنا أزهر بن عبد الله الحرازي، قال أحمد، عَن أبي عامر الهوزي عن معاوية بن أبي سفيان أنه قام فقال: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام فينا فقال ألا إن من كان قبلكم من أهل الكتاب افترقوا على ثنتين وسبعين ملة وأن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين ثنتان وسبعون في النار وواحدة في الجنة وهي الجماعة، وزاد ابن يحيى وعمرو في حديثهما وأنه سيخرج من أمتي أقوام تجارى بهم تلك الأهواء كما يتجارى الكلب لصاحبه، قال عمر والكَلَب بصاحبه لا يبقي منه عرق ولا مفصل إلاّ دخله».
قال الشيخ: قوله: «ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين ملة» فيه دلالة على أن هذه الفرق كلها خارجة من الدين إذ قد جعلهم النبي صلى الله عليه وسلم كلهم من أمته.
وفيه أن المتأول لا يخرج من الملة وإن أخطأ في تأوله. وقوله: «كما يتجارى الكلب لصاحبه» فإن الكلب داء يعرض للإنسان من عضة الكلب الكلِب وهو داء يصيب الكلب كالجنون. وعلامة ذلك فيه أن تحمر عيناه وأن لا يزال يدخل ذنبه بين رجليه وإذا رأى إنسانًا ساوره فإذا عقر هذا الكلب إنسانًا عرض له من ذلك أعراض رديئة، منها أن يمتنع من شرب الماء حتى يهلك عطشًا ولا يزال يستسقي حتى إذا سقي الماء لم يشربه، ويقال إن هذه العلة إذا استحكمت بصاحبها فقعد للبول خرج منه هنات مثل صورة الكلاب فالكلب داء عظيم إذا تجارى بالإنسان تمادى وهلك.

.ومن باب مجانبة أهل الأهواء وبغضهم:

قال أبو داود: حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح أنبأنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب قال وأخبرني عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك أن عبد الله بن كعب وكان قائد كعب من بنيه حين عمي قال: سمعت كعب بن مالك وذكر ابن السرح قصة تخلفه عن النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، قال ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كلامنا أيها الثلاثة حتى إذا طال عليَّ تسورت جدار حائط أبي قتادة وهو ابن عمي فسلمت عليه فو الله ما رد علي السلام ثم ساق الخبر في نزول توبته.
قال الشيخ: فيه من العلم أن تحريم الهجرة بين المسلمين أكثر من ثلاث إنما هو فيما يكون بينهما من قبل عتب وموجدة أو لتقصير يقع في حقوق العشرة ونحوها دون ما كان من ذلك في حق الدين فإن هجرة أهل الأهواء والبدعة دائمة على مر الأوقات والأزمان ما لم تظهر منهم التوبة والرجوع إلى الحق، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم خاف على كعب وأصحابه النفاق حين تخلفوا عن الخروج معه في غزوة تبوك فأمر بهجرانهم وأمرهم بالقعود في بيوتهم نحو خمسين يومًا على ما جاء في الحديث إلى أن أنزل الله سبحانه توبته وتوبة أصحابه فعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم براءتهم من النفاق.
وفيه دلالة على أنه لا يحرج المرء بترك رد سلام أهل الأهواء والبدع.
وفيه دليل على أن من حلف أن لا يكلم رجلًا فسلم عليه أو رد عليه السلام كان حانثًا.